
كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
ثمة من يجد علاقة سببيّة وثيقة بين عملية اغتيال الطيران الاسرائيلي لمساعد المسؤول عن الملف الفلسطيني (العسكري) في حزب الله القيادي المخضرم حسن بدير في أحد أحياء الضاحية الجنوبية، وبين اغتيال المسيّرات الاسرائيلية للقيادي في حركة “حماس” أبو ياسر فرحات في احد شوارع صيدا القريبة الواقع على تخوم مخيم عين الحلوة، بل ويرى أن عمليتي الاغتيال هما في واقع الحال عملية واحدة نفذها الكيان العبري على مرحلتين، خصوصاً وان هدفهما المكشوف واحد بالنسبة للعقل الامني الاسرائيلي، وهو الاجهاز على كل خلايا وشبكات الاسناد المشتركة بين الطرفين لهدف محوري، وهو تأمين ايصال السلاح على أنواعه إلى عمق الضفة الغربية المحتلة لتزويد المجموعات المقاتلة فيها بما يلزم استعداداً لمواجهات مفتوحة.
تذكر الوقائع بأن عمليات التنسيق الواسعة والجادة والمنظمة بين الحزب و”حماس”، تعود جذورها الى النصف الاول من عقد التسعينات، وقد اتخذت شكل جهاز مشترك وسري دقيق، تمكن الى حد بعيد في تأمين سكك تهريب وقنوات اتصال ممتدة بين لبنان وسوريا والأردن، عبوراً الى داخل الضفة ومخيماتها، وهو ما ساعد في تحويل تلك المخيمات الى “بؤر ثورية” مقاتلة ومستعدة لساعة المواجهة والتحدي. لكن تلك التجربة، على أهمية ما بذل من اجلها من جهد، لم تبلغ مستوى الاستعداد الذي بلغته تجربة غزة وقطاعها نظراً إلى عوامل جيوسياسية شتى.
وليس جديداً القول إن الجهات الاسرائيلية المعنية تنبهت باكراً لـ “الخطورة” التي يشكلها مثل هذا التنسيق بين الحزب وحماس، خصوصاً وانه ازداد وتعمق بعيد الانسحاب الاسرائيلي من كل الجنوب في صيف عام 2000.
من هنا، انطلق العقل الامني الاسرائيلي في تنفيذ مهمة رصد وتقص لكل عناصر الحزب المكلفين بالانخراط في مهمات التنسيق الميداني مع “حماس” وايصال السلاح والذخائر والصواريخ الى عمق الضفة الغربية، وقد نجحت في الإجهاز على كل الذين تولوا مهمة حمل مسؤولية هذا الملف من جانب الحزب، وأبرزهم خضر سلامة الذي قتله فرقة كوماندوس اسرائيلي إبّان سلوكه طريق الجنوب الرئيسية في عام 1996 الى آخرين مثل الحاج عوالي وشقيقي عماد مغنية.
الواضح أنّ كلاً من الحزب وحماس كانا قد دخلا في سباق مع الوقت لإرساء اسس تجربة مقاتلة ثابتة وعصية على الاقتلاع في الضفة الغربية، خصوصاً بعد تحرر قطاع غزة من الوجود الاسرائيلي في عام 2005. ومما يذكر في هذا السياق، ان المرشد الايراني السيد علي خامنئي، تحدث في أكثر من اطلالة له في العامين الأخيرين اللذين سبقا انطلاق عملية طوفان الأقصى عن الأهمية الاستراتيجية لعسكرة الضفة الغربية واعدادها لمواجهات طويلة مع الاحتلال الإسرائيلي، ملمحاً الى أن بلوغ هذه الغاية ليس مستحيلاً او بعيداً، وهو ما عدته أوساط معنية في محور المقاومة بأنه أمر عمليات يتعيّن تنفيذه مهما كانت التكلفة والضحيات.
والجلي أن الاسرائيلي انطلق بعد عملية “طوفان الاقصى” التي بدأتها “حماس” من غزة في 7 تشرين الاول عام 2023 في مهمة جادة لقطع الطريق أمام المحور إياه لإنجاز هذا الهدف الذي يعوّل كثيراً عليه عبر خطين:
الأول، الضرب على رأس غرفة العمليات المشتركة بين الحزب والحركة، والمكلفة حصراً من مقرها في بيروت بمواكبة عمليات ايصال السلاح الى مجموعات الضفة الغربية التي ازدادت استعداداتها ولا ريب بعد رؤيتها وصول الإمدادات. وذلك عبر عمليات الملاحقة والاغتيال التي تمت منذ منتصف التسعينات متخذة اشكالاً عدة، وأبرزها التفخيخ والتفجير في عمق الضاحية الجنوبية.
الثاني، الطرق بيد من حديد على رأس مجموعات الضفة وملاحقة الخلايا المنتشرة في انحائها، من قبيل الهجمات على المخيمات واحياء مدن وبلدات بعينها. خصوصاً وان تلك المجموعات قد جمعت نفسها في وحدات مستقلة تعمل حسب تقديرات الموقف الميداني اللحظوي.
وفي الإطار عينه، إزدادت في الآونة الاخيرة عمليات ملاحقة اسرائيل، المكثفة للكوادر الفلسطينية التي تدير من لبنان عمليات “تسليح الضفة”، فاغتالت قبل نحو خمسة أشهر على سبيل المثال شقيق القيادي الفتحاوي منير المقدح داخل مخيم عين الحلوة، كما قتلت 9 آخرين ينتمون الى حماس إبّان وجودهم في محيط المخيم وعلى طريق مخيم الرشيدية في منطقة صور وفي البقاع الغربي وراشيا، وتكون ذروة حملة الملاحقة المستمرة تلك باغتيال بدير من الحزب في الضاحية، وبعده بساعات فرحات من حماس في صيدا.
ولقد سرت اخيراً تقديرات تشير الى أن اسرائيل تمكنت في هذا الاطار، من تصفية عدد مماثل من الحزب هم على صلة بهذا الملف من جانب قيادة حزبهم.
لكن هذه “النجاحات والانجازات” الاسرائيلية على تأثيراتها السلبية، لا تعني بالنسبة للعقل الامني الاسرائيلي أن المخاطر التي يشكلها هذا التنسيق بين الطرفين انتهى الى غير رجعة، إذ أن العقل نفسه يدرك تماماً أن الضربات القاصمة التي تلقاها الحزب في لبنان والحركة في لبنان وغزة والضفة الغربية، لا تعني اطلاقاً أنهما باتا في وارد “إلغاء مهمة” إسناد الضفة، وهذا يعني بشكل أو بآخر ان عمليات اغتيال مماثلة لن تكف اسرائيل عن انفاذها كلما وجدت “صيداً ثميناً”.