أخبار محلية

توجّه مُتزايد لإعفاء برّاك من مُهمّته… ماذا عن دور عيسى؟

منذ ان توارى عن انظار اللبنانيين وتوقفت زياراته الى لبنان، لجأ الموفد الاميركي توم باراك الى الافراط بالبيانات والتصريحات الفجة والتصعيدية تجاه الدولة اللبنانية، مبرئا «اسرائيل» من مسؤولية افشال اتفاق وقف النار، ومتهما الحكومة اللبنانية بلهجة تحريضية بالتقصير والعجز في نزع سلاح حزب الله.

وبعد تكليفه بالملف اللبناني الى جانب الملف السوري، حاول بارك في جولاته الاولى ان يظهر بمظهر الديبلوماسي اللبق، مستخدما لغة اقل فجاجة من مورغان اورتاغوس، للايحاء بانه يلعب دور الوسيط الحيادي لتنفيذ المهمة التي اوكل بها، وهي اصلا العمل من اجل تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار والقرار 1701، لكنه سرعان ما انقلب على هذا الاسلوب، ليكشف عن وجهه الحقيقي عندما اخذ يتبنى صراحة «الموقف الاسرائيلي»، مستخدما اسلوب الابتزاز تجاه الدولة اللبنانية، ومناقضا لكل الصفات والعناصر التي يجب ان يتحلى بها كوسيط، يسعى الى تطبيق اتفاق معقود بين لبنان و«اسرائيل».

وكانت الانعطافة الاساسية له لصالح العدو ضد الموقف اللبناني، عندما تخلى وانقلب على ما روج له شخصيا، وعلى الورقة التي شارك باعدادها بشأن معادلة الخطوة بخطوة في آلية تنفيذ اتفاق وقف النار في آب الماضي، وقاد معركة الضغط على لبنان لنزع سلاح حزب الله اولا قبل اي شيء آخر.

ويقول مصدر سياسي انه بعد زيارته الاخيرة للبنان وانقطاعه عنه، نشهد منذ شهور تصريحات لباراك مليئة بالتهديدات المباشرة للبنان، وبالتهويل بتجدد «الحرب الاسرائيلية» بحجة ضرب حزب الله. ويلفت المصدر الى ان هذه التصريحات والتهديدات تتناقض مع مواقفه السابقة، التي اشاد فيها باداء الحكومة اللبنانية، وقال انها اتخذت الخطوات الاولى ( في اطار تنفيذ اتفاق وقف النار)، وان على جميع اللبنانيين ان يشعروا بالفخر تجاهها. واكد في التصريح نفسه آنذاك، ان نزع سلاح حزب الله يخص الدولة اللبنانية وهو قضية لبنانية.

لكن باراك اليوم، يضيف المصدر، يناقض في تصريحاته مواقفه السابقة، بل يتجاوز المواقف الرسمية الصادرة عن الادارة الاميركية ورئيسها دونالد ترامب، وهذا لا يعني بطبيعة الحال ان موقف واشنطن حيادي وغير منحاز بنسبة كاملة «لإسرائيل».

ويضيف المصدر ان تصريح باراك امس، يشكل مثلا واضحا ليس على خروجه الفاضح عن اصول التعاطي الديبلوماسي والسياسي فحسب، بل ايضا عن المواقف الاميركية الرسمية المعلنة. فبعد ايام قليلة من اشادة الرئيس ترامب امام «الكنيست الاسرائيلي» برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وقوله « اننا ندعم ادارة الرئيس جوزاف عون في نزع سلاح حزب الله، وهو يقوم بعمل رائع «، يخرج باراك بانتقادات جديدة للدولة اللبنانية ويقول « ان مجلس الوزراء اللبناني المنقسم، يرسل رسائل متناقضة الى الجيش اللبناني الذي يفتقد الى التمويل والصلاحيات للتحرك، والنتيجة هدوء هش بلا سلام، وجيش بلا سلطة، وحكومة بلا سيطرة».

ويذهب باراك ايضا الى تهديد لبنان بلغة تحريضية فجة، عندما يقول « اذا فشلت بيروت في التحرك، فان الجناح العسكري لحزب الله سيواجه حتما مواجهة كبرى مع اسرائيل «.

ويشير المصدر الى تقليل باراك من الدور والانجازات التي قام بها الجيش اللبناني في عملية ازالة وحصر السلاح، ملاحظا انها جاءت بعد ايام قليلة مما صدر عن القيادة المركزية الاميركية، التي اعلنت ان الجيش اللبناني تمكن من ازالة نحو عشرة آلاف صاروخ، وما يقارب اربعمئة قذيفة، واكثر من مئتين وخمسة آلاف قطعة من مخلفات الذخائر غير المنفجرة.

ويسأل المصدر الا يتابع ويقرأ باراك هذه البيانات ؟ الم يقرأ ويسمع قائد القيادة الوسطى الاميركية براد كوبر عن الجيش اللبناني، واشادته بدوره وقوله «اننا ملتزمون بدعم الجيش اللبناني في عمله الدؤوب لتعزيز الامن الاقليمي» ؟

ومنذ ان صعّد لهجته وتصريحاته وتصرفاته غير المسؤولة والمدانة، ومنها تهجمه على الاعلاميين في القصر الجمهوري في بعبدا، ووصف سلوكهم ب «السلوك الحيواني «، طرحت اسئلة عديدة حول استمراره في مهمته كموفد للادارة الاميركية الى لبنان.

ويبدو ان باراك منذ زيارته الاخيرة وانقطاعه بعدها عن لبنان، اصبح بحكم المعفى من هذه المهمة، من دون اعلان رسمي من جانب الادارة الاميركية.

وتقول مصادر مطلعة ان عودة مورغان اورتاغوس الى الواجهة من جديد، واشتراكها في اجتماع لجنة متابعة وقف النار قبل الاخير، عزز الاعتقاد بان باراك صار ضيفا على مهمة متابعة الملف اللبناني، لا بل ان المفاوضات المباشرة بين سوريا و«إسرائيل» تجاوزت دوره، الذي لم يكن موفقا ايضا في دمشق. مع العلم ان هذه المفاوضات كشفت حتى الآن ان «اسرائيل» تريد الافادة منها على حساب سوريا وسيادتها وارضها. ويكفي الاشارة في هذا المجال الى ما صرح به رئيس حكومة العدو نتنياهو مؤخرا وقوله حرفيا «الجنوب السوري باكمله لإسرائيل، وهذا اتفاقنا مع احمد الشرع في دمشق». وتتحدث اوساط ديبلوماسية عن تعثر هذه المفاوضات، بسبب ابتزاز «اسرائيل» للسلطة الانتقالية في دمشق بمطالب وشروط متتالية.

وبالعودة الى باراك، تضيف المصادر، ان ما يعزز المعلومات عن احتمال اعفائه من مهمة متابعة ملف لبنان، هو الحديث المتنامي عن توسيع وتعزيز دور السفير الاميركي الجديد ميشال عيسى، ليتولى شخصيا هذه المهمة، لا سيما انه يكسب ثقة عالية من ترامب. وترى المصادر انه بعد مجيء السفير عيسى المرتقب الى لبنان في نهاية الشهر الجاري، تتجلى الصورة ويتضح مصير باراك وعلاقته بلبنان.

ويقول مصدر نيابي في هذا الاطار، لم نعد نتابع كثيرا تصريحات باراك لانها كانت منذ البداية كالبورصة تسجل انخفاضا وصعودا، ثم تحولت في الشهور الثلاثة الاخيرة الى مسلسل من التهديد والتهويل ضد لبنان، بحيث ان ما ادلى ويدلي به يسقط عنه عمليا صفة الوسيط او المبعوث الديبلوماسي، لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار والقرار 1701.

ويقول المصدر ان ما تتميز به تصريحاته الاخيرة بانها «غير موزونة، وتفتقد الى الحد الادنى من التوازن، وهذا ما يجعله عمليا خارج الخدمة بالنسبة للمهمة التي يفترض ان يكون قد اوكل بها». ولا يقلل المصدر في الوقت نفسه من خلفية كلام باراك، معتبرا انها تعكس بشكل او بآخر جزءا كبيرا مما يدور في الادارة الاميركية، وما يمكن ان تقدم عليه «اسرائيل» ضد لبنان.

محمد بلوط – الديار

زر الذهاب إلى الأعلى