
وأشار خبراء أميركيون إلى أن هذا الإلغاء غير المسبوق يعكس عدم رضا واشنطن عن أداء الجيش اللبناني مهما حاول المسؤولون اللبنانيون تلطيف الرسائل الأميركية التي عكست رأي الإدارة على أنه تقاعس تجاه الحد من نفوذ “حزب الله” وترسانته. وأن هذه الخطوة لا تأتي من عدم، بل هي قرار لتصعيد اللهجة الأميركية تجاه الجيش الذي بحسب المصدر “بات يلعب دورًا سياسيًا أكثر منه عسكريًا وأمنيًا”. فواشنطن تموّل الجيش ليس لإبداء رأي سياسي، بل لمساعدته على مواجهة نفوذ “حزب الله” في لبنان، بحسب مصدر في الخارجية. وأضاف المصدر أن هذه الرسالة نُقلت إلى المسؤولين اللبنانيين جميعًا غير أنه من الواضح أن لبنان لم يتلقف مضمونها. فالمواقف الحديثة للجيش اللبناني لم تتوافق البتة مع التوقعات الأميركية بشأن كبح جماح “حزب الله”، ليس فقط في جنوب الليطاني، بل أيضًا في مناطق شمال الليطاني والضاحية والبقاع، زد على ذلك نفوذه في مرافق الدولة مما سمح له باكتساب بعض من القوة على حساب الدولة اللبنانية.
أما تداعيات تأجيل الزيارة فتعكس مخاوف أميركية أوسع نطاقًا بشأن البيئة السياسية والأمنية في لبنان. فالسيناتور ليندسي غراهام كان صريحًا بشكل خاص، حيث انتقد على موقع “إكس” عدم اتخاذ لبنان أي إجراء بشأن “حزب الله”، مُصرّحًا بأن استمرار الدعم الأميركي يعتمد على اتخاذ خطوات جادة لمواجهة الدور العسكري لـ “حزب الله”. وكان المبعوث الأميركي توم براك، الذي نسّق الضغط الأميركي بشأن نزع السلاح قد اعتبر أن عدم “جدية وقدرة” الجيش ستكون بمثابة القطرة التي ستملأ الدلو وتؤدي بالبيت الأبيض إلى تغيير استراتيجيته في لبنان وصولًا إلى تلزيمه لشركاء واشنطن في المنطقة.
في هذا الإطار، اعتبر مصدر في البنتاغون أن لهذا القرار تداعيات قد تؤثر على التعاون العسكري وبرامج المساعدات الأميركية اللبنانية المستقبلية، نظرًا لتركيز الولايات المتحدة على كبح جماح “حزب الله”. وكشف المصدر العسكري عن امتعاضه المتراكم للعوامل المحفزة لتلكؤ الجيش في تنفيذ قرارات مجلس الوزراء اللبناني والسعي إلى توافق “حزب الله” لتسليم سلاحه بدلًا من العمل على إتمام ذلك. وقال إن رفض القيادة العسكرية مواكبة طلبات التفتيش ونزع السلاح، والاحتفاظ بالذخيرة بدلًا من تدميرها من المستودعات المكتشفة أثارت المخاوف بشأن حقيقة استعداد الجيش وقدرته على التصرف بحزم. في المقابل، لفت مسؤول أميركي سابق إلى أن كلام قيادة الجيش اللبناني عن “عدم ارتياحها وإحباطها من مطالب الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات أكثر حزمًا ضد “حزب الله” في مقابل عدم توجيه أي لوم لإسرائيل”، يشير إلى وجود مشكلة سياسية أيضًا.
غير أن مصدرًا في البيت الأبيض أشار إلى أن قضية نزع أسلحة “حزب الله” أضحت عاملًا محوريًا في الاستراتيجية السياسة للولايات المتحدة تجاه لبنان. من هنا تعمل واشنطن على تقييم تعاملها الدبلوماسي والعسكري والمالي بناءً على تصرفات لبنان تجاه نزع ترسانة “حزب الله”. إذ لطالما أولت الولايات المتحدة أولويةً لنزع سلاح “حزب الله” في سياساتها، معتبرةً القدرات العسكرية المستقلة لـ “الحزب” تهديدًا للسيادة اللبنانية والاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية. فقد ربطت واشنطن المساعدات العسكرية، مثل الحزم الأمنية والمتفجرات، ارتباطًا مباشرًا باستعداد الجيش لتفكيك مخابئ أسلحة “حزب الله” وبنيته التحتية. من هنا تأتي أهمية منشور غراهام الذي يصب في زيادة الضغط الدبلوماسي المتكرر لنزع سلاح “حزب الله” كضرورة لاستمرار الدعم الأميركي للحكومة اللبنانية والمؤسسات العسكرية.
وأجمعت المصادر الأميركية على أن الإجراءات التي تستهدف قنوات “حزب الله” المالية والعسكرية هي دليل واضح على مطالب واشنطن الصريحة باتخاذ إجراءات صارمة ضد سلاح “الحزب” وتمويله غير الشرعي وعمليات تبييض الأموال والتهريب. من هنا، قال مصدر أميركي إن هذه القضايا لا تزال نقطة خلاف في العلاقات الأميركية اللبنانية، وتُشكّل عقبةً أمام تعميق التعاون، مع توضيح الولايات المتحدة ضرورة معالجة مسألة استقلال “حزب الله” العسكري حتى تظل المؤسسات اللبنانية مؤهلة للحصول على الدعم.
