
خلال زيارة البابا لاوون الرابع عشر تسمر اللبنانيون امام شاشات التلفزة لمواكبة تفاصيل الزيارة التاريخية… الامر الذي يثبت انه “في الاحداث الكبرى” لا يمكن لشاشات الهاتف وما انبثق عنها من مواقع تواصل اجتماعي ان تحل مكان “الشاشة الصغيرة”… ولكن هل بالمناسبات وحدها تحيا التلفزيونات؟
في السنوات الاخيرة، دخلت هذه المواقع في منافسة واضحة مع محطات التلفزة، ليس بالضرورة من باب التهديد بل انطلاقا من سؤال اساسي: كيف غيّرت الـsocial media علاقة الجمهور بعادات المشاهدة بشكل جذري، فلم يعد خفيا انها دفعت القنوات التقليدية إلى إعادة النظر في نموذجها بالكامل.
فمنذ أكثر من عقد، يشهد العالم انتقالاً تدريجياً من الشاشة المعلقة على الحائط إلى الشاشة المحمولة في اليد.
وفي هذا السياق لا بدّ من القول ان مواقع التواصل اصبحت لاعبا لا يستهان به في صناعة محتوى سريع وخفيف، انعكس على سلوك وربما ايضا على ذوق المشاهد الذي بات بدوره يبحث عن مواد سريعة وقصيرة وفورية والوصول إلى الأخبار والترفيه في آن.
وهنا يشرح خبراء في مجال الاعلام والاعلان ان فئة الشباب، التي تمثّل العمود الفقري لأي سوق إعلامي، تفضّل اليوم منصات كـ TikTok وYouTube وInstagram، حيث تتكدّس المقاطع القصيرة والبرامج التفاعلية، ويعيد صانعو المحتوى رسم توجهات الجمهور بعيداً عن الاستوديوهات التقليدية. وبالتالي هذا التحول في الجمهور انعكس مباشرة على سوق الإعلان. اذ ان المعلِن بات يبحث عن منصات تمنحه قدرة استهداف دقيقة، وهو ما تقدّمه وسائل التواصل الاجتماعي بفعالية أكبر من التلفزيون.
رغم ذلك، لا يمكن الحديث عن “نهاية التلفزيون”. فهناك محتوى ما زال يحتفظ بجمهوره وبطابعه “الرسمي”، خصوصاً نشرات الأخبار الأساسية، البرامج السياسية التحليلية، المباريات الرياضية الكبرى، والحفلات والمهرجانات. كما أن الجمهور “فوق سن الأربعين” ما زال وفياً للتلفزيون، ويشكّل قاعدة ثابتة لا يستهان بها.
وبالتالي، بحسب الخبراء المشهد الحالي يشير إلى أن التلفزيون يتجه نحو التحوّل وليس الاندثار، لا سيما من خلال اعتماد استراتيجيات تفاعلية قادرة على منافسة خفة السوشال ميديا.
في السنوات المقبلة، يتوقع هؤلاء الخبراء ان يصبح التلفزيون جزءاً من منظومة أكبر، تتقاطع فيها الشاشات والمنصات والهواتف.
اما بالنسبة الى لبنان، فـ”الضربة الأولى” – اذا جاز التعبير- للتلفزيون لم تأتِ من المنصات حصرا، بل بالدرجة الاولى من الازمات المتلاحقة التي تضرب البلد، وادت بشكل او بآخر الى تراجع سوق الإعلان، غياب المؤسسات الكبرى التي كانت تموّل حملات ضخمة، ضمور السوق الاستهلاكية، ما جعل ميزانيات المحطات تتراجع فخسرت القدرة على إنتاج محتوى جاذب.
كما ان الجمهور في لبنان بات يعيش على شاشتين: السوشال ميديا أثناء النهار، التلفزيون في المساء (خصوصاً الأخبار والبرامج السياسية)، وفي المقابل، القنوات أصبحت مضطرة لملاحقة جمهورها على المنصات، فتعمل على المقاطع المقتطعة Highlights التي أصبحت أهم من الحلقة نفسها، كما ان بعض البرامج باتت تُشاهَد أكثر على YouTube من بثها المباشر.
على اي حال مستقبل كافة القطاعات مرتبط بشكل او بآخر بمدى التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، فالجمهور يتغيّر، والسوق تتغيّر، والواقع تتغيّر… والتحدي الاكبر هو القدر المواكبة بمرونة.
“اخبار اليوم”
