فياض عن النفط والغاز: لن نتضرر لأننا أصلا لم نستفد

لم يكن ينقص لبنان الغارق في دمائه ومآزقه السياسية والعسكرية، إلا تصريح إسرائيلي يعيد الملف النفطي واتفاق ترسيم خطوط الغاز البحرية الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، إلى المربع الأول، وإعادة إشعال السجال مجددا حول الحقوق والحصص وعدالة الترسيم.
قد يكون البعض في إسرائيل يعيش نشوة “الغلبة”، بعد التطورات الميدانية في لبنان أخيرا، واغتيال السيد حسن نصرالله. بيد أن ما يثير التساؤل حد العجب، هو أن القاصي والداني في الإقليم، وفي أوروبا وأميركا، يعرف أن الحكومة اللبنانية تنازلت خلال مفاوضات الترسيم التي قادها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، عن الخط 29 إلى حدود الخط 23، برغم معارضة سياسية وشعبية لبنانية واسعة.
“رضي القتيل ولم يرض القاتل”، ووضع التصريح الملتبس لوزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، منصة كاريش الإسرائيلية تحت التهديد المباشر لصواريخ “حزب الله”، الذي كان شريكا أساسيا وضامنا للاتفاق من خلف الدولة اللبنانية. فما أعلنه أمس الجيش الإسرائيلي عن اعتراض مسيّرة في أجواء كاريش أطلقها “حزب الله”، فسرته أوساط مطلعة بأنه رسالة تهديدية من الحزب إلى إسرائيل، تضع بقاء كاريش قيد العمل، رهنا ببقاء اتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل على حاله. علما أن كاريش القريبة من الحدود اللبنانية البرية، بقيت تعمل في شكل طبيعي على إنتاج الغاز وتصديره إلى أوروبا، على رغم اشتعال القصف المتبادل بين “حزب الله” وإسرائيل.

اتفاق الترسيم لمصلحة إسرائيل
على وقع هجمات عنيفة يشنها العدو الإسرائيلي على لبنان، صرّح كوهين أنه يبحث عن طريقة أو ثغرة لإلغاء “اتفاق الغاز الفاضح الذي تم توقيعه مع لبنان وكان خطأ منذ البداية”.
ففي 27 تشرين الأول 2022، وقّع لبنان اتفاقا تاريخيا مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بعد مفاوضات غير مباشرة استمرت عامين بوساطة أميركية في شأن منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا.
لكن وزير الطاقة وليد فياض لم يعر التصريح الإسرائيلي أي اهتمام لاعتبارات عدة، منها أنه غير واضح، عدا عن أن “حق لبنان مهدور أصلا في الارض والغاز والمياه، وتاليا الإسرائيلي هو المستفيد. وإذا أراد أن يبدل في الاتفاق فليفعل، لأنه لن يتغير علينا أي شيء”. فالإسرائيلي في رأي فياض، هو المستفيد حاليا عبر بدء التنقيب، فيما لبنان لم يفد حتى اليوم بشيء، لأن أميركا والغرب لم يعطيا الضوء الأخضر للشركات العالمية للاستثمار في لبنان، حتى إنهما لا يريدان مساعدتنا للإفادة من الاتفاق، بدليل أن “توتال” أوقفت الحفر في البلوك رقم 9 في منتصف تشرين الأول الماضي، ولم تزوّدنا التقرير المتعلق بنتائج الحفر، علما أن مهلة ستة أشهر المخصصة لرفع الشركة تقريرها انتهت في منتصف نيسان الماضي.
ويؤكد فياض أن “الانحياز الكبير من أميركا والغرب إلى إسرائيل واضح، فالشركات التي التزمت مع لبنان الحفر أوقفت العمل بدءا من حرب غزة، فيما تعمل الشركات على الاستثمار في الجانب الإسرائيلي في شكل طبيعي”.
وفيما جرى الحديث سابقا عن الاتجاه شرقا، قال فياض: “الفيتو علينا أميركي وغربي، والمشكلة أن الشركات، وإن كانت من الشرق لن تستثمر في لبنان من دون غطاء دولي أو ضوء أخضر، وخصوصا أن المكان متنازع عليه. صحيح أن الاتفاق ورقة قانونية، لكن الالتزام سياسي وأمني، وليس قانونيا”.
وفيما أتاح الاتفاق لإسرائيل بدء الإنتاج من منطقة كان متنازعا عليها، إذ بات حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، بدا أن حصول لبنان على حقل قانا لا يضمن له القدرة على استخراج الغاز منه بلا أي قيود، لكون الاستخراج يخضع لموافقة إسرائيل بموجب الاتفاق
وتشير خبيرة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان إلى أن “الاتفاقية التي قضت بترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان هي أساسا لمصلحة إسرائيل. وتاليا لا أهمية لكلام وزير الطاقة الإسرائيلي الموجه إلى الداخل الإسرائيلي وله أبعاد سياسية ويهدف إلى قطع كل الأوصال مع لبنان، كما أراد إيصال رسالة إلى الأميركيين الذين عملوا كوسيط لإنجاز هذا الاتفاق”.

إعطاء الحزب شرعية لمهاجمة كاريش؟
ولكن هل يمكن إسرائيل فرض تعديلاتها على الاتفاق؟ توضح هايتايان أنه “حتى لو أراد الجانب الإسرائيلي تعديل الاتفاق، فإن عليه التشاور مع لبنان في هذا الأمر، وذلك وفق بنود الاتفاق نفسه. الأميركي غير مستعد لذلك حاليا لانشغالاته بالانتخابات الرئاسية. وفي حال أعلنت إسرائيل رسميا أنها فضّت الاتفاق من طرف واحد سيكون لحزب الله شرعية أقوى لضرب منصة كاريش في هذه المنطقة التي ستصبح متنازعا عليها. وتاليا فإن تعرض كاريش لخطر الاستهداف من الحزب، ستتكبد إسرائيل خسائر اقتصادية جسيمة، وخصوصا أن إنتاج هذه المنصة يستهلك في الداخل الإسرائيلي، وتاليا سيتأثر الأمن الطاقوي الإسرائيلي. والاهم أن شركة “انرجين” التي ضغطت لعقد الاتفاق قبل البدء بالإنتاج ستتكبد خسائر كبيرة هي في غنى عنها”.
أمام هذا الواقع ترى هايتايان أن المتضرر الأكبر من فض الاتفاق هو الجانب الإسرائيلي، أما بالنسبة إلى لبنان فإن المشكلة ستقتصر على إعادة بدء المفاوضات، وعلى تحديد أي خط سنفاوض عليه مجددا، وما إذا كنا سنطالب بالخط 29 أم سنُحرم المزيد من المساحات الإضافية.
ولا تستبعد أن تضغط السلطة الإسرائيلية على وزير الطاقة لديها لسحب هذا الكلام، “وخصوصا أن المتضرر الأكبر سيكون شركة “انرجين” التي استثمرت بملايين الدولارات، وكذلك الغاز الإسرائيلي الذي يباع لمصر التي يزيد استهلاكها لهذه المادة”.

سلوى بعلبكي – النهار