مجزرة عين الدلب: رحلة نزوح تنتهي في صندوق

فوق تلّة مرتفعة وقفت لانا البابا (11 عاماً) تراقب أعمال رفع ركام المبنى الذي استهدفته غارة في عين الدلب، أول من أمس. منذ عصر الأحد الماضي، تنتظر خبراً عن عمّتها دنيز (52 عاماً) وزوجها محيي الدين الرواس وولديهما نيرمين وعلي. في ذاكرتها، تحاول إعادة رسم المبنى المؤلف من ست طبقات و15 شقة، علّها تتوقع أين يمكن أن يُعثر على جثامين أقربائها. لا تستوعب الفتاة ما يحصل. وُلدت بعد عدوان تموز 2006 بسبع سنوات، ولم تسمع من أهلها حكايا الحروب والدمار والمجازر. نشأت على الثقة بصيدا الآمنة البعيدة عن القصف. حاولت لملمة الأمل بالعثور على أثر منهم، فيما تملّك اليأس والدها هيثم البابا بالعثور على شقيقته وأسرتها. يسأل: «كم سقفاً تهاوى فوقهم؟» إذ يقع منزلها في الطبقة السفلية من المبنى. رغم ذلك، لا يزال بصيص من أمل بعد انتشال شقيقه هشام البابا حيّاً من الشقة نفسها بعد ساعات على الغارة. يقول: «تناولنا الغداء أنا وشقيقي لدى دنيز، قبل أن أغادر ويبقى هشام. آخر ما سمعه صراخهم عقب سقوط الصاروخ الأول، عندما كان في المرحاض. بعدها لم يعد يسمع شيئاً». يقلّب البابا صور ابنة شقيقته نيرمين (20 عاماً) التي كانت تتهيّأ لزفافها. في وقت لاحق أمس، تم انتشال جثة دنيز.في زاوية أخرى من التلة، انزوت سيدتان تبكيان بحرقة وتراقبان أعمال الحفر والجرف. تنتظران خبراً من تحت الركام عن شقيقتهما المعلمة عبير الحلاق وزوجها علي السكافي وأولادهما محمود ومالك وماجد. على حافة حوض الزهور، ركن المنتظرون ألبومات صور لأحبائهم، هي ما تبقى منهم. أعمال رفع الركام استمرت حتى ليل أمس. مساءً، تم انتشال جثة نسرين بدران (27 عاماً). الأخيرة تعمل قابلة قانونية نزلت في ضيافة زميلتها المقيمة في المبنى المنكوب بعد تصاعد العدوان على بلدتها دير الزهراني قبل أكثر من أسبوع.

حتى المساء، بلغ عدد الشهداء الذين تم انتشالهم 42، إضافة إلى 65 جريحاً، فيما لا يزال عشرة على الأقل تحت الركام.
وبدأ أمس تشييع الشهداء من مدينة صيدا بدفن جماعي لسبعة من أبناء المدينة. كما شيّعت كفررمان ثلاثة من أبنائها من آل علي أحمد قضوا في المبنى الذي نزحوا إليه وأقاموا لدى أصدقاء لهم بعد تصاعد الغارات على منطقة النبطية. أما الفاجعة الكبرى، فقد عاشتها بلدة عيترون: تسعة من آل فارس استشهدوا في المبنى الذي نزحوا إليه ونزلوا في ضيافة أصدقاء لهم. أمّهات وجدّات وآباء وأحفاد هوت فوقهم الطبقات الست بينما كانوا يقيمون في الطبقة السفلية. وتقرر دفن شهداء عيترون كوديعة مؤقتة في الوردانية في إقليم الخروب، بسبب تعذر نقل جثامينهم الى مسقط رؤوسهم. ثمانية صناديق خشبية أنهت رحلة نزوح متنقّل طوال العام الماضي، فيما لم يعثر على جثمان الطفل علي فارس بعد.
ومن المنتظر أن يستكمل اليوم تشييع شهداء عين الدلب، ولا سيما النازحين في مسقط رأسهم، ومن بينهم أربعة من بلدة الشرقية هم: عليا بدر الدين، والأطفال: حسين وعلي الرضا بدر الدين وفاطمة قبيسي.

آمال خليل – الاخبار