أخبار محلية

كيف يواجه كنعان حملة التضليل في زمن الفوضى؟

في المشهد اللبناني المتآكل بين الفوضى الإعلامية والاضطراب السياسي، برز النائب إبراهيم كنعان كأحد الذين يحاولون إعادة السياسة إلى مسارها المؤسسي، مستخدمًا الأرقام والمستندات والرقابة كوسائل مواجهة في بلدٍ اعتاد الاكتفاء بالشعارات. لذلك، حين تتحول الحملة عليه إلى مادة متكرّرة، كما فعلت احدى المنصات، فإن المسألة تتجاوز حدود الخلاف الإعلامي لتصبح صراعًا على صدقية الدور ومشروعية التأثير.

الشكوى التي قدّمها كنعان أمام النيابة العامة في جبل لبنان ضد المنصّة وعدد من المتداولين بفيديو تضمن أخبارا كاذبة واجتزاءات مضللة، ليست مجرد فعل دفاعي. إنها محاولة لوضع حدّ للفوضى التي تُدار باسم “حرية التعبير” في غياب أي ضوابط مهنية أو قانونية. إحالة الملف إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية خطوة تشير إلى أن المواجهة تُخاض بالأدوات المؤسساتية، لا بالانفعال.

لكن توقيت الحملة ليس بريئا. فبعد اسابيع قليلة على العشاء الذي دعا اليه كنعان وجمع الآلاف، وعودة الرجل من واشنطن محمّلا بنتائج محادثات مع صندوق النقد والبنك الدولي والإدارة الأميركية، عاد الجدل حول دوره وحجمه. هذا التزامن يطرح فرضية أن الاستهداف مرتبط بإعادة تموضع سياسي وازن بدأ يلفت الانتباه داخليا وخارجيا.

على المستوى البرلماني، يواصل كنعان إدارة لجنة المال والموازنة من موقع رقابي صارم. في الجلسة الأولى لمناقشة موازنة 2026، قدّم مقاربة متكاملة ربطت بين السياسة المالية والإصلاح الهيكلي، معتبرا أن الموازنة ليست مجرد ميزانية محاسبية بل رؤية اقتصادية يجب أن تُقاس بنتائجها لا

بأرقامها. انتقد الإنفاق الاستثماري المحدود الذي لا يتجاوز 11%، والاعتماد شبه الكامل على الإيرادات الضريبية بنسبة 82%، ما يُبقي المواطن وحده في واجهة الأزمة.

يعمل كنعان ضمن ثلاث أولويات واضحة وهي استعادة الشفافية المالية من خلال تفعيل ديوان المحاسبة ومراجعة الحسابات منذ 1993. إعادة تصحيح علاقة الدولة بموظفيها عبر معالجة الخلل في الرواتب والتعويضات، وتحويل الرقابة إلى سلطة ردع فعلية قادرة على وقف الهدر والمشاريع الوهمية.

بهذه المقاربة، يحوّل كنعان اللجنة إلى مركز مراجعة حقيقية للسياسات المالية، وهو ما يضعه في مواجهة مباشرة مع منظومة تسعى لإبقاء الأمور على حالها. لذلك، يصبح الطعن في صدقيته أسهل من مواجهته بالأرقام.

زيارته إلى واشنطن لم تكن بروتوكولية. لقاءاته مع صندوق النقد والبنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية أعادت طرح مقاربة لبنانية واقعية لملف الودائع، عبر مشروع “قانون الفجوة المالية” الذي يربط الإصلاح بإعادة الحقوق لا بإلغائها. هذا الطرح، الذي نقل تفاصيله لاحقا إلى رئاسة الجمهورية، يعكس موقعا مختلفا داخل المعادلة السياسية: نائب يتعامل مع الأزمة بمنهجية تقنية وواقعية، لا بخطاب تعبوي.

انطلاقا من ذلك، يمكن قراءة الحملة الرقمية ضده كامتداد لصراع على من يحتكر تعريف “الإصلاح”. فحين يطالب كنعان بالمحاسبة وتدقيق الحسابات، فإنه يهدّد مباشرة المساحات الرمادية التي اعتادت بعض القوى التحرك داخلها. لذلك يصبح إسقاط صورته في الإعلام الموازي محاولة رمزية لإلغاء صوته في المؤسسات.

زر الذهاب إلى الأعلى