لم يكن نتنياهو بحاجة لقرار المحكمة الجنائية الدولية ليقطع محادثاته مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، عندما جاءه خبر صدور مذكرة إعتقاله، عن أعلى محكمة في العالم. رئيس حكومة الكيان الصهيوني كان في الأساس، يناور ويُماطل في مفاوضات وقف الحرب في لبنان، رغم كل الكلام الأميركي عن قرب التوصل إلى تسوية لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية.
موجات التفاول التي حرص هوكشتاين على إطلاقها من بيروت، بعد يومين من المحادثات مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة، سرعان ما تلاشت وراء الدخان الأسود للغارات الإسرائيلية الوحشية على الأحياء المدنية في بيروت والضاحية الجنوبية، وعلى عشرات المناطق والقرى في الجنوب والبقاع، لإيقاع أكبر عدد من القتلى، ولإحداث أوسع مساحة من التدمير، وتخريب مقومات الحياة في القرى والمناطق المستهدفة.
لبنان مازال يتحمل أعباء الحرب المرهقة، ويواجه آلة الدمار الصهيونية، لأن الولايات المتحدة لم تحسم قرار وقف النار بعد، بل وكأنها تتيح لنتنياهو مزيد من الوقت لتنفيذ أجندة الحرب ضد حزب لله وبنيته العسكرية، قبل دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني القادم.
وجاء الفيتو الأميركي ضد قرار مجلس الأمن بوقف الحرب في غزة، ليؤكد إستمرار التغطية الأميركية، السياسية والديبلوماسية، للكيان الصهيوني رغم المجازر التي يرتكبها في غزة وفي لبنان. إلى جانب طبعاً تدفق المساعدات العسكرية الأميركية غير المحدودة، عبر الجسور الجوية والبحرية إلى المطارات والموانئ الإسرائيلية.
ثمة من يرى أن الفيتو الأميركي ضد وقف الحرب في غزة، كان الهدف منه تأكيد فصل وحدة المسار مع الحرب في لبنان، التي كان يرددها حزب لله في خطابات أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله، والتي تم التخلي عنها لبنانياً خلال الحرب المحتدمة حالياً على الأراضي اللبنانية.
ويربط أصحاب هذا الكلام بين التقدم الذي أحرزه الوسيط الأميركي هوكشتاين في محادثاته في بيروت، وقرب الإعلان عن التوصل إلى التسوية المنشودة، وتوقيت صدور القرار الأممي، بحيث يبدو وكأن ثمة تزامن وترابط بين التسوية في بيروت والقرار في نيويورك.
وبغض النظر عن تلك التكهنات والتبريرات، فقد بدا واضحاً أن العدو الإسرائيلي غير مستعجل على وقف النار في لبنان، قبل ما يعتبره القضاء على البنية العسكرية للحزب، وهو أمراً يحتاج إلى حرب إستنزاف طويلة ومكلفة على الكيان الصهيوني، الذي تطالب قيادته العسكرية إنهاء الحرب في لبنان، بحجة إنها حققت أهدافها، وفي الواقع لتجنب تكبد المزيد من الخسائر البشرية والعسكرية الفادحة في لبنان، بعدما قتل أكثر من خمسين عسكرياً بين ضابط وجندي، وسقط العشرات من الجرحى، وبعضه أصبح معاقا، ولا يستطيع العودة إلى الخدمة.
نتنياهو يحاول تكرار سيناريو المفاوضات حول حرب غزة في مفاوضات لبنان، بحيث كلما إقتربت الوساطات إلى الوصول إلى الخواتيم المقبولة، ينبري رئيس حكومة العدو، للإعلان عن شرط جديد للتوصل إلى إتفاق وقف النار في لبنان.
آخر مناورات نتنياهو ظهرت في رفض مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة العليا التي ستتولى رصد التحركات العسكرية غير التابعة للجيش اللبناني واليونيفيل، والتي يمكن أن يقوم بها حزب لله لإستعادة نشاطه العسكري لاحقاً، على غرار ما حصل بعد حرب تموز ٢٠٠٦. ورفض نتنياهو لا يعود فقط بسبب صدامه الشخصي الذي وقع مع الرئيس الفرنسي ماكرون وحسب، بل لأن باريس إستنكرت شن الحرب على لبنان، وأوقفت شحن الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، مطالبة حلفائها في الناتو والإتحاد الأوروبي، بالسير معها في هذا القرار الشجاع.
أما مسألة حق تل أبيب بالتدخل العسكري مباشرة فور الإشتباه بنشاط عسكري غير شرعي جنوب الليطاني، كما كان يُطالب المفاوض الإسرائيلي، فقد تم التوصل إلى صيغة إكثر ملائمة للبنان، عبر فرض العودة إلى لجنة المراقبة العليا لعرض تقارير وشواهد التحركات المشبوه فيها، على أن يتم تقييمها في اللجنة، وإتخاذ القرار المناسب بشأنها، بالتنسيق مع السلطة اللبنانية والجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
ويبقى السؤآل الذي يشغل اللبنانيين، مقيمن ومنتشرين:
هل ما حصل من إنتكاسة في جهود هوكشتاين الأسبوع الماضي، يعني أن الحرب مستمرة إلى ما بعد تسلم ترامب صلاحياته الدستورية» يوم ٢٠ كانون الثاني المقبل؟
لا شك أن التصعيد العنيف الذي لجأ إليه العدو الصهيوني بعد تعليق الموفد الأميركي وساطته، يكشف النوايا الخبيثة لنتنياهو في تطويل أمد الحرب، ولكن ليس بالضرورة أن تستمر هذه الحرب الوحشية، أسابيع طويلة أو أشهراً أخرى، لأن الرئيس الأميركي المنتخب طلب من نتنياهو إطفاء آلة الحرب وإنهاء العمليات العسكرية في لبنان، قبل دخوله البيت الأبيض بعد أقل من ستين يوماً.
هل يستطيع نتنياهو أن يُخادع ترامب كما خدع بايدن أكثر من مرة؟
صلاح سلام – اللواء