“أنت من بلد السيدة فيروز وجبران خليل جبران وأمين معلوف، إذاً أنت مرحّب بك في تركيا، وستلقى معاملة تميّزك من الجنسيات العربية الأخرى”، كما يقول الدكتور وسيم بكراكي، رئيس الجالية اللبنانية في تركيا، ورئيس قسم الاطفال والخدج في مستشفى الهلال الأحمر التركي.
فالشعب التركي يحب اللبنانيين، والحكومة التركية تمنحههم امتيازات يصح القول فيها إنها خاصة، أبرزها السماح بالإقامة على أراضيها 90 يوماً، وهذه ميزة لا تتمتع بها جنسيات أخرى، إذ لا يمكن البقاء في تركيا أكثر من شهر واحد. يضيف بكراكي لـ “النهار”: “لبنان بالنسبة إلى المجتمع التركي هو باريس الشرق، وبلد الفنّ والإبداع والذوق”.
هاجر الدكتور بكراكي ابن مدينة طرابلس إلى تركيا في عام 1993، وكان في الثامنة عشرة من عمره حينها، ليدرس الطبّ في كلية “جرّاح باشا” الحكومية في اسطنبول. لم يكن هناك سوى 34 طالباً لبنانياً في تلك الكلية، بينهم 16 في أنقرة والباقي في اسطنبول، فروا من لبنان بسبب الحرب الأهلية، فكانت تركيا واجهتهم الأفضل كون جامعتها أقل تكلفة من التعلّم في أميركا أو أوروبا.
اليوم، يبلغ عدد المقيمين اللبنانيين في تركيا نحو 10 ألف شخص، وصلوها على دفعات منذ خمس سنوات، عقب أزمات متتالية بدأت مع انهيار المصارف وتراجع قيمة العملة اللبنانية، وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت، وانتهاءً بالحرب الإسرائيلية على لبنان. وبديهي اختيار اللبناني تركيا لتكون وجهته للهجرة المؤقتة أو الترانزيت، لأنه لا يحتاج لتأشيرة دخول، كما تسمح له السلطات بالبقاء ثلاثة أشهر ليغادر البلاد وعيود إليها بعد 90 يوماً.
تسهيلات للبنانيين
في السنوات الماضية، بسبب ظروف الحرب في سوريا والأوضاع غير المستقرة في مصر إبان حكم الأخوان المسلمين، وفرار عدد منهم إلى تركيا، ناهيك بالأزمات السياسية والأمنية في السودان وليبيا، زاد عدد اللاجئين العرب في تركيا. ولتنظيم الدخول والإقامة، سنّت الحكومة التركية قانوناً تحت مسمى “الإقامة السياحية”، تمنح للعرب والأجانب الذين يريدون البقاء سنة كاملة في تركيا، وهي قابلة للتجديد. لكن، بسبب الحملات والتظاهرات التي قامت بها المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين بالدرجة الأولى، وضد الوجود الأجنبي الذي يعتبرونه العامل الرئيسي للتضخم الاقتصادي في البلاد منذ أكثر من سنتين، صدر قرار في شباط (فبراير) 2023 قضى بوقف الإقامة السياحية.
يقول بكراكي: “من سوء حظ اللبنانيين أن هذا القرار صدر في العام الماضي قبل إندلاع الحرب الإسرائيلية في لبنان. وبعد دخول أعداد كبيرة من النازحين اللبنانيين الذين فروا من الحرب إلى تركيا، عُدّل هذا القانون ليتيح المكوث 6 أشهر مؤقتاً وفق حالة الوضع الامني في البلد الذي ينحدر منه المقيم. فمن وجهة نظر السلطة التركية، حرب لبنان لا تشكل خطراً كبيراً على شعبه لأنها غير شاملة ولا تشبه وضعية الحرب على قطاع غزة”.
برزوا في الطب والتعليم والإعلام
عدد اللبنانيون الموجودون في الوقت الراهن على الآراضي التركية لا يمكن حصره وإحصاؤه، لأن أعداداً كبيرة منهم يدخلون عبر اسطنبول ترانزيت إلى دول أخرى. ففي الأشهر الماضية، كانت تصل ثلاث طائرات يومياً من مطار بيروت، واليوم هناك ثلاث رحلات أسبوعياً محصورة بطيران الشرق الأوسط إضافة إلى سفينة تأتي مرتين في الأسبوع من ميناء طرابلس إلى مرسين.
لكن عدد اللبنانيين الذين يحملون الإقامة التركية يصل إلى 10 آلاف شخص، بينهم 1500 طالب موزعين في الدرجة الأولى في اسطنبول ثم أنقرة وبعدهما تأتي مدينة سامسون، إلى جانب أعداد قليلة موزعة في مناطق أخرى مثل أنطاليا وإزمير، “ولدينا اليوم نحو 50 ألف لبناني يحملون الجنسية التركية يتنقلون بين البلدين”، كما يقول بكراكي، مضيفاً: “إننا لا نواجه أي تمييز عنصري، فاللبناني من أكثر الجنسيات المطلوبة في قطاعات مهمة ولا يزاحمه أحد، فضلاً عن رجال أعمال يملكون شركات كبيرة”.
ويبرز اللبنانيون بشكل واضح في مجال التعليم المدرسي والجامعي، وقد ساهموا في تطوير المنهج التعليمي القديم، وأدخلوا عليه المنهج اللبناني ليحقق تقدّماً كبيراً في المدارس والجامعات التركية. كذلك لمعت أسماء أطباء يعملون مدراء أقسام أو مستشفيات خاصة، إضافة إلى بروز لبناني واضح في مجال الإعلام العامل في تركيا، “والتنافس في مجال الصحافة محصور بين اللبناني والفلسطيني حصراً، بعدما كان المصريون يهيمنون على هذا المجال قبل سنوات”.
ربيع دمج- النهار