إعادة إعمار أو إعادة تأهيل؟

بحسب التقديرات الأولية للأمم المتحدة، فإن غزة ستحتاج إلى ما بين 30 و40 مليار دولار للإعمار، ولبنان إلى نحو 25 ملياراً، أما سوريا فقد تصل حاجتها إلى 600 مليار دولار.
السلطة الفلسطينية هي من وقّع ميثاقي السلام مع إسرائيل، لا العالم العربي أو الإسلامي، إلا أن القبول باستباحة ما اصطُلح على تسميته “إعادة إعمار” وكأنه استحقاق أو إنجاز وطني يتباهى به سارقو الإرادات الوطنية فلسطينياً ولبنانياً، بات مستحيلا. وإن توافقت رؤى على حساب أخرى، يظل الأمر محض افتراء على الواقع ولو اختلفت دواعي تلك التوافقات (7 أكتوبر وإطلاق إيران وحدة الساحات).
من منظور تلك “الخاصة الإيرانية”، ما هي إلا بعض دولارات من خزائن الأرض التي لا تنضب، وهي تجارة أتقنها أصحاب المظلوميات الذين لا يجيدون سواها، ومن يرتئي غير ذلك فليتفضل مشكوراً بتمويل إعادة الإعمار بعد الجولة الأخيرة.
إدمان “إعادة الإعمار” تستدعي معالجات فورية لعموم نظرياتها، وأولاها تحرير القدس، وما ينتجه من حالة إنسانية لا يمكن تجاهلها مهما بلغ التباين ومحركاته الإيديولوجية، حتى وإن كان مبعثها “الطريق إلى القدس”. لذلك فإن إعادة تعريف “إعادة الإعمار” تأتي من حيث الأولوية الإقليمية لا اللبنانية والفلسطينية أو اليمنية. فاستدامة ذلك مرفوض، وكذلك افتراض البعض أن دولارات دول الخليج “مشاع” ضمن مسمى التضامن العربي أو الإسلامي.
الشراكة الإنمائية إقليمياً هي البديل الحتمي من علاج حالة الفشل السياسي وما أنتجته من جغرافيا فاشلة ورفض مهادنتها مهما بلغت الحالة الإنسانية. والحصانة الضامنة لإعادة استقرار الشرق الأوسط هي تمكين الإرادات الوطنية قبل السياسية. فالسوري والعراقي واللبناني والفلسطيني، جميعهم يمتلكون قصص نجاح وإلهام وعطاء على كل الصعد، وطنياً وإقليمياً ودولياً، لذلك يجب أن يكون النموذج هنا هو الاقتباس من برنامج إعادة تأهيل أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، أو برنامج معالجة مديونية أميركا اللاتينية في ثمانينيات القرن الماضي، في ما عُرف حينها بـ”سندات بريدي” وزير الخزينة في العهد الأول للرئيس رونالد ريغان.
وهنا، ربما من الأجدى تأسيس مجلس إعادة تأهيل الشرق الأوسط عبر استحداث مجلس إقليمي يضع استراتيجيات ضابطة ومنظومة حوكمة شفافة للدول المستفيدة، ومحاسبتها عند إخفاقها في تحقيق أهداف برامجها المُزمنة أمام شعوبها، وكذلك خفض تصنيفها الائتماني ضمن الدول المستفيدة. وقنوات التمويل يجب ألا تقتصر على القروض طويلة الأجل، بل عبر تحمّل تلك الدول جزءاً مباشراً بإصدارها سندات طويلة الأجل بين 10 إلى 20 سنة (إما مخفضة القيمة وإما كوبونات فوائد، شرط توفير فترة سماح لا تقل عن ثلاث سنوات). وسيكون المجلس هو الضامن عبر صندوق يؤسسه الأعضاء بما في ذلك الدول المستفيدة (عبر رهن بعض الموارد الوطنية إن لزم الأمر).
كذلك يجب تذكر ثقل المغتربين من أهل تلك الدول، بالإضافة إلى تراكمات رأسمالية ورأسمال بشري سيكون لها دور في برامج إعادة تأهيل دولهم. ولا مخافة هنا من مجاعة، فالسوري والفلسطيني واللبناني والعراقي أهل صناعة وزراعة ومعارف وعلوم، ولديهم الأرض والماء والثروة البشرية. وحتى عندما دخلت دولهم حالة الفشل السياسي، فإن إنسانها ظل ينتج بدل الاتكال الكلي على مساعدات خارجية.
دول الخليج العربية اليوم تمتلك تراكم الخبرات اللازمة والنماذج القادرة على الإسهام حيويا في مثل ذلك المجلس، أو عبر استثمارات مباشرة تقودها صناديقها السيادية أو رؤوس الأموال الخاصة وقطاعها الخاص. ودور دول المجلس يتعاظم نتيجة ما قدمته من نموذج اقتصادي واجتماعي. ولو بادرت هذه الدول الراغبة في التمويل الخليجي، فستجد أن الفلسطيني والسوري والعراقي واللبناني جزء من قصة النجاح تلك، إلا أنها لم تكن لتنجح لو لا توافر ضمانات الاستقرار الأمني والاجتماعي.
وبحسب التقديرات الأولية للأمم المتحدة، فإن غزة ستحتاج إلى ما بين 30 و40 مليار دولار للإعمار، ولبنان إلى نحو 25 ملياراً، أما سوريا فقد تصل حاجتها إلى 600 مليار دولار.
المصدر: النهار