“الجماعة الإسلامية” تكتشف خطيئتها وتنكفئ

أين “الجماعة الإسلامية”؟ هذا هو السؤال المتداول في النقاشات السياسية، خاصة السنية الطابع. فمنذ حادثة الـ”بيجرز” والمنحى العنيف الذي صارت إليه الحرب، تبدو “الجماعة”وكأنها انسحبت بشكل شبه كامل، سياسياً وميدانياً، ما خلا بيانات النعي والمباركة. لا ريب أن هذا الفعل كان مطلباً سنياً ووطنياً، وحتى أن دولة إقليمية فاعلة أسدت نصيحة إلى قيادة التنظيم السني الأعرق، الحديثة العهد بخبث السياسة ودهاليزها، بضرورة الانسحاب من الواجهة، ولملمة عضلاتها المستجدة في الشارع، خصوصاً مع ظهورها وكأنها فرع لـ”حركة حماس”، مسلوب الإرادة، وينقاد خلف قراراتها وتوجيهاتها دون نقاش.
حسب المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن” من مصادر مقربة من التنظيم، فإن الانسحاب الحاصل ليس نتيجة قرار تنظيمي، ولا استجابة متأخرة للنصائح، بل هو نتيجة قناعة تشكلت بعدم القدرة على مجاراة نسق الحرب، ولا التأثير في قرارها، ولا في المفاوضات. ففي كل جولات التفاوض، سواء التي سبقت التحوّل العاصف أم تلته، لم يقف أحد من الفاعلين على خاطر من صوّر أنه “شريك”، ولو من باب “الشكليات” فقط.
يضاف إلى ذلك، تأثير اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، صالح العاروري، والذي كان أكثر من حلقة وصل بين “الحركة” و”الجماعة”. فهو من هندس انتخاب القيادة الجديدة للأخيرة، وكان له فرع داخل “قوات الفجر” يأتمر بأوامره. وغداة موجة الاغتيالات التي طالت البنية القيادية لـ”حزب الله”، أيقنت “الجماعة” بحتمية “التراجع الآمن”، ولا سيما مع معاناة قياداتها من حالة نفور ملموس في الشارع السني، حيث بدأ الناس يبدون تذمراً واضحاً من مكوث أي قيادي بارز بالقرب منهم، رغم تغيير مقر السكن غير مرة للعديد منهم. وهذا ما دفع بغالبيتهم إلى شد الرحال صوب تركيا، وفي طليعتهم الأمين العام محمد طقوش، والنائب عماد الحوت الذي تأثر بما لمسه من تعاظم القلق عند الناس.
المفارقة أن الحوت كان يضطر للدفاع في الإعلام عن خيارات يعارضها داخل التنظيم، حرصاً على وحدة الصف، فهو ينتمي إلى الفريق الرافض للتماهي مع ملالي إيران ومحورهم. ومن المعروف أن ثمة فريقاً نخبوياً وازناً داخل “الجماعة” كان غير راضٍ عن الالتحاق الهجين بركب “حزب الله”، لكن قرار “الجماعة” كان مسلوباً. حتى أن اشتراك “قوات الفجر” الميداني، عرف به أغلب القيادات من الإعلام.
كذلك هال هذا الفريق النخبوي ما فعله بعض الرفاق ذوي الرؤس الحامية، بتحريض من “حزب الله، من إحياء فتنة انقسام فقهي سني بين السلفية والصوفية، وخصوصاً في طرابلس بالذات. وهذه الفتنة أجّجها المرشد الإيراني علي خامنئي أكثر بحديثه عن الجبهتين “اليزيدية” و”الحسينية”. ناهيك بالتماهي مع الحملات ضد السعودية ودول الخليج، حيث يعتبر الفريق المبعد عن القرار أن العمق العربي هو الأساس، والانسلاخ عنه أمر “غير عقلاني”.
تبيّن المصادر أن هذا الفريق يقر بالضرر البالغ الذي ألحقه نهج القيادة الحالية بـ”الجماعة”، والذي يتعارض مع إرثها التاريخي. لكن الوقت حالياً ليس للمحاسبة، إنما لإجراء المراجعات، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب، ما يستوجب تغييراً قيادياً حاسماً، والشروع في عملية التصالح مع الشارع السني والمرجعيات الرسمية، وإعلان التزام صارم بالشرعية التي تمثلها الدولة فقط، في موازاة إصلاح ما خربته القرارات غير الحكيمة في العلاقة مع العرب.
هذا التغيير لن يكون سهلاً في ظل التزام الفريق المعارض بأصول العمل الحزبي والسياسي، وإدراكه مدى صعوبة تجسير الهوة التي أفضى إليها الانقياد خلف محور الممانعة، سنياً ووطنياً، ولا سيما العراضات العسكرية المنفّرة. لكن التعويل هو على إقرار القيادة بالخطيئة التي اقترفتها.

سامر زريق – نداء الوطن