من النبطية إلى صيدا… رحلة نازح على دراجة هوائية

تحوّلت الدرّاجة الهوائية من وسيلة بسيطة للتنقّل اليومي إلى طوق نجاة، حين لم يجد حسين موسى خليفة “أبو محمد” أمامه سواها، عندما قرر النزوح من بلدة الدوير في قضاء النبطية من جرّاء الغارات الإسرائيلية التي زنّرت منزله وكادت تودي بحياته.

أكثر من أربع ساعات من الرعب والخوف قضاها خليفة متنقلاً على طرقات مهجورة وبين منازل مدمرة، حتى وصل أخيراً إلى مدينة صيدا، حيث سبقته عائلته إلى أحد مراكز الإيواء، قبل أن يخرَّ على الأرض ساجداً “شكراً لله على سلامته”.

ويروي خليفة (62 عاماً) لـ “نداء الوطن” من مركز الإيواء في مدرسة “رفيديا” التابعة لوكالة “الأونروا” في صيدا، تفاصيل رحلته المحفوفة بالموت، يقول: “في 22 أيلول الماضي، قررت وعائلتي النزوح إلى منطقة آمنة بسبب القصف العنيف الذي وقع قرب منزلنا في الدوير. حاولنا العثور على سيارة تقلّنا إلى برّ الأمان، ولكن من دون جدوى، فاضطررنا إلى السّير مسافة تقارب 2 كيلومتر”.

كانت هذه الرحلة، على قصرها، كفيلة بأن تختزل معاناة النزوح في أشد صورها قسوة، حيث يصبح الهروب بحدّ ذاته معركة من أجل الحياة. يضيف خليفة متنهّداً: “خلال النزوح، طلبت من عائلتي الابتعاد عن بعضها البعض والسيّر متفرقين. كنت أخشى أن نُقتل بالقصف جميعاً (دفعة واحدة). كانت المشاهد أمامي أشبه بغزّة، حيث الدمار يلتهم المنازل والدخان الأسود يغطّي السماء. تلك اللحظات كانت الأصعب على الإطلاق، حتى وصلنا إلى بلدة الشرقية، حيث وجدنا حافلة أقلّت عائلتي إلى مكان آمن، لكنني بقيت بسبب التزامي بعملي”.

بعد يومين، اشتدّ القصف على الدوير وأصبحت غير آمنة على الإطلاق، فيما انهالت اتصالات عائلته تحثّه على المغادرة فوراً. يؤكد خليفة: “في 24 أيلول، حدثت غارة قرب المنزل أدّت إلى تصدّعه، فلم أعد أحتمل البقاء. جمعت أغراضي الشخصية، من أدوية وأوراق ثبوتية، وانطلقت على دراجة هوائية، حيث لم أجد وسيلة نقل أخرى. تلك اللحظة كانت أشبه بالمشي نحو الموت”.

يتابع: “اتصلت بعائلتي وودعتها. كنت مدركاً أنني قد لا أراهم مجدداً. كما اتصلت بصديقي نجم نجم في بلدة النميرية لطلب المساعدة، لكنّه كان يلملم أشلاء عائلته التي استُهدفت بغارة مع أولاده. ازداد خوفي وإرباكي، لكنني تابعت المسير، متجاوزاً بلدة الشرقية ومنها إلى كوثرية السياد، وصولاً إلى البيسارية. هناك، استضافتني عائلة لتناول الماء والعصير، وسط مشاهد دمار تفوق الخيال”.

استأنف خليفة طريقه باتجاه صيدا. يقول بصوت مخنوق: “لم أستطع الاتصال بأحد أو حتى شرب الماء. كانت السرعة والخوف من القصف يلاحقانني كظلّي. حبست أنفاسي وناجيت الله: يا رب، إذا أردت أن تأخذ أمانتك، فقط دعني أصل إلى عائلتي أولاً، ثم إفعل ما تشاء”.

بعد أكثر من أربع ساعات من الصراع مع الطرقات المدمّرة والخوف المتربّص، وصل خليفة أخيراً إلى منطقة سينيق قرب مستشفى الراعي، حيث توقّف لأخذ استراحة قصيرة وأبلغ عائلته بوصوله سالماً. اختتم رحلته قائلًا: “جئت إلى مركز الإيواء في صيدا. هذه الرحلة المحفوفة بالموت ستظل ذكرى محفورة في ذاكرتي، لا تموت أبداً”.

محمد دهشة – نداء الوطن