هدر بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ الأميركي المعروف، أواخر العام الماضي، مندداً بإسقاط اتفاقية أبرمها الحزبان الجمهوري والديموقراطي لتمويل الحكومة لأن “الرئيس إيلون ماسك لا يريدها”. ولا يستبعد أن الأحلام الرئاسية لمخترع سيارة تيسلا تتخطى حدود الولايات المتحدة، لتشمل العالم برمته.
وماسك لن يحكم على طريقة بشار الأسد الذي “نصّبه” أحد أعضاء مجلس الشعب السابق بعد خطاب باهت له في 2011، رئيساً للعالم! الملياردير الأميركي ذو الأصول الجنوب افريقية، يستهدف قادة اثنتين من كبريات الدول الغربية، الألماني أولاف شولتز والبريطاني كير ستارمر مطالباً الناخبين بتغييرهما بالسرعة الممكنة. وتعرض قبلهما للكندي جاستن ترودو الذي استقال أخيراً لأسباب أخرى. وهو يعقد التحالفات مع زعماء متطرفين مثل جورجيا ميلوني وفيكتور أوربان، وبعض عتاة العنصريين في الغرب. وفي الوقت نفسه، يمد يديه إلى تركيا وباكستان والهند والصين وهو على تواصل مستمر سراً مع فلاديمير بوتين بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”. هكذا باتت الكرة الأرضية ملعباً له إلى جانب فضائها الذي قرر غزوه، هو الآخر.
وفوق كل شيء، ثمة من بات يخلط بينه وبين الرئيس دونالد ترامب، فعلاقتهما يكتنفها الغموض وليس معروفاً تماماً من يقود من: الرجل الخمسيني الأغنى في العالم وصاحب منصة “إكس” المعروف بذكائه وجرأته، أم الرئيس السابق الذي يقترب من الثمانين والشهير بتناقضاته وببراعاته الشعبوية؟ والأهم، إلى متى ستدوم العلاقة بين الطرفين بعد 20 الشهر الجاري؟
الإجابة في الحالتين صعبة صعوبة الحكم على مدى تأثير المبتكر الطموح على علاقة واشنطن مع لندن، ودوره المحتمل في إضعاف الحكومات وترجيح كفة اليمين المتطرف.
لكن غرور ترامب قد يشكل عائقاً أمام استمرار الصداقة ولاسيما أنه معروف بتبديل ولاءاته والتخلي عن مستشارين كانوا مقربين منه. قد يخشى في لحظة ما أن يخطف حليفه هذا الضوء عنه. والاتهامات المحقة إلى حد ما لماسك عن وجود تضارب بين مصالحه الخاصة وواجباته الحكومية، ربما تيسر خروجه من الدائرة الضيقة التي تصنع القرارات. إلا أن ملياراته وتبرعاته السخية، قد تبقيه “شريكاً” مؤثراً في “قيادة” العالم من البيت الأبيض.
ربما. والمفاجآت غير مستبعدة، كما عودنا الرئيس المنتخب، في الحكم وخارجه. وإلى أن تتكشف معالم شراكتهما على الأرض، يبدو أن ماسك مطمئن إلى حصانته، ولذا بدأ يصعّد قصفه التمهيدي ضد دول كبرى وصغرى. وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد: يُظهر استقلاليته من جهة وعزمه على توطيد سلطته العالمية وقدرته على مقارعة الكبار.
شولتز خشي من جره إلى المحكمة على الرغم من أن القانون الألماني في جانبه. ولعله لم يرغب في إثارة ضجة يستفيد منها الملياردير القادر على دفع أي غرامة من دون أن يرف له جفن. واكتفى بمهاجمته مباشرة. أما ستارمر فلم يكد ينبس بكلمة رداً على تطفله المستمر على المملكة المتحدة حتى كانون الثاني (يناير) الجاري.
وربما فضل رئيس الوزراء البريطاني الترفع شخصياً عن الرد على ثري راغب في لفت الأنظار إليه. فتجاهل حملته المستمرة ضده لنحو ستة أشهر، حتى طفح به الكيل قبل أيام حين أثار ماسك من جديد قصة العصابات المزعومة التي تعتدي على مراهقات انكليزيات وتوقعهن في فخ الدعارة. فات قطب التكنولوجيا العالمي أن القانون نفى سلفاً صحة القصة التي أثارتها وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان واتهمت مسلمين من أصول باكستانية بإدارتها. وقرر أن يضم صوته إلى أصوات عنصريين، في مقدمتهم تومي روبنسون المعادي للإسلام، لم يمنعهم قرار المحكمة من مواصلة العزف على وترها وتضخيمها.
وشجب ستارمر “الأكاذيب والمعلومات المضللة”. واعتبر أن الملياردير قد “تجاوز خطاً أحمر” حين دعا إلى إقالة وزيرة الدولة جيسي فيليبس بحجة أنها رفضت إعادة التحقيق بعصابات الاعتداء على المراهقات. وقال إن “سموم أقصى اليمين” التي أطلقها ماسك وأمثاله أدت إلى تلقيها تهديدات بالقتل.
في هذه الأثناء، ضمت النرويج وفرنسا صوتيهما إلى المنددين بتدخله بالعمليات الديموقراطية والانتخابات الأوروبية. لكن ما الذي يستطيع أي من الزعماء الأوروبيين أن يفعله مع هذا الثري الجامح؟ من الصعب تحديه، ناهيك بمواجهته، لأن جيوبه المنتفخة كانت دوماً تحميه أو تساعده، في أسوأ الأحوال على تحمل العواقب. وقد صار في موقع أقوى نظراً لمساهمته الأساسية في إعادة ترامب الى المكتب البيضوي.
المقلق في تدخله بالشأن الألماني والبريطاني، هو أنه لم يقتصر على انتقاد حكومتيهما بقسوة مفرطة، بل ترافقت هجماته الظالمة في كثير من الأحيان مع الإشادة المبالغة فيها مع أحزاب اليمين المتطرف والعنصري. قد يقول قائل إنه يحاول أن يثير الجدل لكي يستقطب المزيد من المستخدمين لمنصته، والمتابعين لصفحته في “إكس” ممن يدفعون رسم اشتراك يبلغ نحو 3 دولار شهرياً! وتردد أيضاً أنه يريد الانتقام من حكومة أصدرت تشريعات صارمة بحق شركات الوسائط الاجتماعية. وهناك من يرى أن استهدافه بريطانيا وألمانيا يعود بشكل أساسي إلى الحاضنة العنصرية ذات الجذور العميقة فيهما وإذا صحّ هذا التأويل، فإنه سيوجه أنظاره قريباً إلى العديد من الدول الأوروبية!
على أي حال، لا يبدو كل هذا كافياً لتبرير توصيفه حزباً له جذور نازية وسياسات عنصرية بأنه “بارقة الأمل الوحيدة” بالنسبة لألمانيا، أو لدعوته إلى إطلاق عنصري كروبنسون، الذي أدانته المحكمة بالكذب، من السجن.
هناك بوادر توجه لديه لم يتبلور بعد، لإعادة تشكيل تنظيمات التيار المتشدد. وإلا لماذا دعا بصورة مفاجئة إلى استبدال زعيم آخر لحزب الإصلاح بنايجل فاراج النائب الشعبوي صديق ترامب الذي تردد أن ماسك يستعد للتبرع له بمبلغ كبير… فهل يخطط لقيادة اليمين المتطرف، بنفسه، أو بالواسطة من خلال أشخاص يختارهم هو؟