ضاعفت الحرب أزمة عدد من المستشفيات. ففي وقت زاد الحمل مع الأعداد الكبيرة من الإصابات، تواجه هذه المؤسسات أزمة في توفّر الأطباء المقيمين (Resident) الذين يشكّلون «بيضة قبّان» في المستشفيات بما هم حلقة وصلٍ بين الطبيب المعالج ومرضاه، إذ يتابعون الحالات المرضية ساعة بساعة. بعد اشتداد الحرب، صار عدد هؤلاء أقل من المطلوب في المستشفيات التي يتابعون فيها، إما بسبب نزوحهم أو لعدم شعورهم بالأمان حيث هم، ما أدى إلى إرباك للأطباء الأساسيين وإلى إلقاء الثقل على من بقي من الأطباء المقيمين وإلى قلق لدى المرضى. وهذا ما عانى منه مستشفى رفيق الحريري الجامعي أخيراً.
منذ ما بعد عام 2019، بدأت أزمة نقص الأطباء – بمختلف مسمّياتهم – مع اختيار عدد كبير من الأطباء الهجرة بسبب الأزمة المالية والاقتصادية، والتأسيس خارجاً سواء بالالتحاق بمستشفيات جديدة أو لاستكمال سنوات الاختصاص، وهي تماماً حال معظم الأطباء المقيمين. ومذّاك، تعيش المستشفيات أزمة نقص أطباء الاختصاصات الدقيقة والأطباء المقيمين الذين يشكّلون الحجر الأساس داخل الأقسام. وظهر هذا النقص بوضوح في انعدام التوازن بين طلب المستشفيات على الأطباء المقيمين وما هو متوافر في الجامعات، وتحديداً الجامعة اللبنانية. ففي حين كانت حاجة المستشفيات إلى هؤلاء تفوق الـ600 طبيب، كان العدد المتوافر يقارب الـ400، بحسب الدكتور حسين عيسى، رئيس برنامج الإقامة والزمالة في كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية.
وازدادت الأمور سوءاً عقب اندلاع الحرب الأخيرة، حيث تضاعف النقص بسبب حركة النزوح. وظهر ذلك خصوصاً في المستشفيات القائمة في مناطق خطرة أو معرّضة للعدوان، وهذا يشمل مستشفيات الضاحية الجنوبية، أو تلك القريبة من الأماكن المعرّضة للخطر، ومنها مستشفى الحريري. لذلك، هجر عدد كبير من الأطباء هذه المستشفيات إما شمالاً مع عائلاتهم أو إلى مستشفيات أخرى في مناطق آمنة، كمستشفيات الروم والجعيتاوي والجامعة الأميركية وأوتيل ديو وغيرها. ومع توسّع الحرب، أُقفلت غالبية مستشفيات الضاحية قسراً، فيما اقتصر العمل في بعضها على «الخدمات الميدانية». أما المستشفيات المتاخمة للضاحية التي استمرت في العمل، ومنها مستشفى الحريري، فقد خسرت الكثير، إذ إن معظم الأطباء المقيمين «إما تهجّروا مع عائلاتهم أو لم يعودوا يشعرون بالأمان هنا وفضّلوا الانتقال إلى مكانٍ آخر»، بحسب عضو مجلس النقابة اختصاصي أمراض الكلى في المستشفى الدكتور سعد بو همين. ومع الغارة التي استهدفت مبنى قرب مدخل المستشفى في 21 الشهر الماضي، غادر معظم من بقي في المستشفى من الأطباء المقيمين، ما أدى إلى نقصٍ حاد وصل في بعض الأحيان إلى حدّ متابعة طبيب مقيم واحد كل أعمال القسم. أول التأثيرات المباشرة كان على المرضى من ناحيتين: من ناحية المتابعة الطبية، زاد النقص الحمل على الطبيب المقيم وأربك الطبيب الأساس الذي بات ملزماً بسدّ النقص. من جهة أخرى، وجد المرضى أنفسهم في بعض الأحيان متروكين، إذ إن الطبيب الأساس لا وقت لديه للبقاء طوال الوقت في المستشفى، وتقتصر زياراته على مرة أو مرتين، فيما تُترك المتابعة عموماً للطبيب المقيم.
أخيراً، تمّ اللجوء إلى كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية، وجرى التوافق على إيفاد عدد من الأطباء المقيمين إلى المستشفى. لكن، كانت ثمة معضلة أساسية تتجلى بـ«عدم تحمّل الجامعة مسؤولية هؤلاء، إذ لا يمكن إجبارهم على الذهاب إلى المستشفى بسبب الحرب ولنزوح البعض منهم، إضافة إلى عدم وجود أطباء لتدريبهم»، بحسب المصادر. مع ذلك، جرى العبور فوق تلك العقبات، وأُرسل إلى المستشفى حوالى 15 طبيباً مقيماً لسدّ النقص، من دون أن يعني ذلك أن الأزمة حُلّت، إذ إن الحاجة اليوم تتخطّى الـ 50 أو 60 طبيباً.