في غمرة الإنشغال الفلسطيني واللبناني بتطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وفي وقت كان العدو الإسرائيلي يستأنف غاراته الحربية على الضاحية الجنوبية لبيروت، “تسلل” حدث أمني من نوع آخر من مخيم عين الحلوة بمحاولة اغتيال لأحد المطلوبين البارزين عمر الناطور، الذي ينتمي لمجموعة جند الشام إحدى المجموعات المنضوية في اطار ما يسمى “تجمع الشباب المسلم” وذلك اثناء تواجده عند مفرق حي الصفصاف داخل المخيم ما أدى لإصابته في ساقه. وعلى الأثر، سجل اطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية سمعت أصداء انفجاراتها في اجواء مدينة صيدا واستمرت لبعض الوقت قبل ان تنجح الاتصالات التي نشطت على خط قيادتي القوى الإسلامية والشباب المسلم في تطويق ذيول هذه الحادثة.
فتح: لا اشتباكات
وفيما تم للوهلة الأولى بعد اطلاق النار والقذائف الصاروخية تداول اخبار عن ان اشتباكات اندلعت داخل المخيم ، تبين لاحقاً أنها اطلقت من جانب بعض عناصر المجموعات الإسلامية المسلحة كردة فعل على محاولة الاغتيال وهو ما أكده لاحقاُ بيان صادر عن حركة فتح اشارت فيه الى أن” بعض المجموعات الإسلامية اطلقت رصاصات عشوائية باتجاه المنازل في حيِّ البستان والبركسات والشارع الفوقاني في عين الحلوة، بعد ورود معلومات عن محاولة اغتيال لأحد الأشخاص في حي الصفصاف”. وأوضحت “إننا في حركة فتح وقوات الأمن الوطني لم نطلق النيران ردًّا على مصادر النار، ولن ننجرَّ إلى مربع الإشتباك، في ظلِّ ما يعانيه أبناء شعبنا في فلسطين وما يتعرض له لبنان من عدوان”.
إشارة الى أن الناطور هو احد أبرز المطلوبين المتهمين بالمشاركة في اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد ابو اشرف العرموشي في 30 تموز من العام الماضي والتي اعقبها اشتباكات عنيفة بين فتح ومجموعات جند الشام داخل المخيم.
ما حصل ليل الجمعة في المخيم لم يكن الأول منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة وجنوب لبنان اذ سبقه اغتيال احد عناصر الأمن الوطني الفلسطيني ياسين عقل في حي الرأس الأحمر في حزيران الماضي ، واغتيال الشاب عبد الباسط سرحان ( المنتمي لحركة فتح ) عند مفرق سوق الخضار في نيسان 2024، بالإضافة الى محاولة اغتيال الشيخ أبو الدرداء في الشارع التحتاني للمخيم في مطلع أيلول.
ويأتي هذا الحدث الأمني في عين الحلوة، في ظل الحديث جدياً عن توجه لتنفيذ القرار 1701 الذي تم التوصل اليه اثر عدوان تموز 2006 بين لبنان واسرائيل برعاية دولية والذي ينص في احد بنوده، على “إنشاء منطقـة بـين الخـط الأزرق ونهـر الليطـاني خاليـة مـن أي أفـراد مـسلحين أو معـدات أو أسـلحة بخـلاف ما يخص حكومــة لبنــان وقــوة الأمـم المتحـدة المؤقتـــة فـــي لبنـان”، و”التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف – الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان – والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006)، والتي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية”. وبالتالي يعتبر مراقبون أن من شأن اي حدث أمني داخل اي مخيم فلسطيني في هذه الفترة أن يسلط الضوء على السلاح الفلسطيني في المخيمات من هذه الزاوية .
تحدي منع التفجير
لكن ثمة اسباب عدة تبقي الوضع في عين الحلوة تحديدا مفتوحا على احتمالات عودة التوتير الأمني. فكثيرون يعتقدون انه لولا الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة ولبنان والتي فرضت ايقاعها وتداعياتها كما فرضت ضرورة تحصين الساحة الفلسطينية في لبنان بمواجهتها، لكان الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة (أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في لبنان) انزلق الى مزيد من جولات الصراع القديم الجديد بين فتح ومجموعات مسلحة منضوية في اطار ما يسمى تجمع” الشباب المسلم” وخارجه . بل ان آخرين يذهبون أكثر من ذلك للجزم بأنه لولا الحرب على غزة والضفة ولبنان لما توقف هذا المسلسل الدموي الذي توالت حلقاته في فترات سابقة بين الطرفين، ودفع ثمنه ابناء المخيم من حياتهم وامنهم واستقرارهم ما فاقم من أزماتهم الاجتماعية والحياتية وحصر تسليط الضوء على المخيم او المخيمات الفلسطينية في لبنان بالزاوية الأمنية فقط، وفي ذلك اساءة للقضية الفلسطينية وأصحابها .
أما مردّ هذا الإعتقاد فيستند الى عدة معطيات منها :
* ما شهده مخيم عين الحلوة سابقاً من اغتيالات في فترات مختلفة لم تطو صفحاتها وأدت الى تراكم تفاعلاتها.
* عدم تسليم المطلوبين بأحداث أمنية عدة شهدها المخيم سابقاً ولا سيما المتهمين باغتيال العرموشي ومنهم الناطور نفسه.
* تنامي ظاهرة الحالات المسلحة الخارجة عن الإجماع الفلسطيني والمتهمة من قبل هذا الاجماع بالعمل لأجندات خارجية هدفها شطب قضية اللاجئين ممثلة بالمخيمات .
* عدم وجود رأس او قيادة واحدة لتلك المجموعات المسلحة التي خرج بعضها من رحم “الشباب المسلم” واصبح يتصرف بشكل منفرد فيما لا يزال بعضها الآخر يدور في فلكه.
* عدم قدرة القوى الاسلامية الفلسطينية ( والتي هي جزء من الأطر الفلسطينية المشتركة ) على السيطرة على بعض هذه مجموعات او ضبط تفلتها، وفي الوقت نفسه عدم قدرتها على تسليم المتهمين منها باغتيالات وأحداث أمنية في المخيم .
* رغم قرار القيادة الفتحاوية بعدم الانجرار لأية محاولة لإفتعال فتنة داخل المخيم، تسببت الإغتيالات السابقة فيه والتي استهدفت كوادر في فتح والأمن الوطني وعدم تسليم المتهمين بارتكابها في مراكمة حالة من الاحتقان في صفوف بعض عناصرها وفي اوساط عائلات الضحايا الذين يشعرون بالظلم نتيجة ذلك فيميل بعضهم للثأر.
وتبقى العبرة والتحدي الأكبر في مدى قدرة الأقطاب الرئيسية في المخيم وفي مقدمتها فتح والقوى الاسلامية على نزع كل فتائل التفجير خصوصاً في هذه المرحلة التي يعتبر فيها المخيم كما باقي المخيمات مكشوفة أمنياً امام الاستهدافات الاسرائيلية وآخرها الغارة التي استهدفت في 1 تشرين الأول الماضي احد احياء عين الحلوة وذهب ضحيتها نجل القيادي في حركة فتح منير المقدح وافراد من عائلته وجيرانه .
المدن