بين صبايا اليوم، تتردد عبارة “جداتنا كنّ يحملن ع الريحة”، تعبيراً عن التناقض الكبير بين سهولة الإنجاب في الماضي وصعوبته في الحاضر. فبينما كانت نساء الأجيال السابقة يحملن وينجبن بلا جهد يذكر، أصبحت مشاكل الخصوبة من الظواهر الشائعة في عصرنا الحالي. وبالرغم من وجود أسباب معروفة مثل تغيّر نمط الحياة، إلا أن هناك الكثير من التساؤلات حول دور فيروس “كورونا” في تفاقم هذه المشكلة، حيث يعتقد البعض أنه قد يكون مرتبطاً ببعض حالات العقم وحتّى الإجهاض.
شهدت السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً في أولويات المرأة بشكل خاص، حيث باتت تركز بشكل أكبر على التعليم والعمل وبناء مستقبل مهني، مما أدى إلى تأجيل قرار الزواج والإنجاب، وتراجع معدلات الخصوبة. هذه الجملة، ليست وجهة نظر أو مجرد فرضية بل حقيقة مبنية على حقائق واقعية، يشرحها الاختصاصي في تقنيات حفظ الخصوبة، علاج ضعف الخصوبة والتقنيات المساعدة على الحمل، والجراحة النسائية والتوليد الدكتور حسام عبد الرضا قائلاً “يشهد العالم تغييرات دراماتيكية في معدلات الخصوبة، ولم يعد لبنان استثناءً. فبعدما كانت المرأة تنجب ما بين 4 إلى 5 أطفال، انخفض المعدل حالياً إلى طفل أو اثنين، ما يثير مخاوف جدية بشأن المستقبل، ويُتوقع أن يطغى عدد كبار السن على الشباب في العقود المقبلة. في المقابل، يعد تقدم سن الزواج والإنجاب أحد أهم أسباب تراجع معدلات الخصوبة عالمياً. فمع انخراط المرأة بشكل متزايد في التعليم والعمل، أصبح متوسط عمر الأمومة الأولى 34 عاماً على مستوى العالم و32 عاماً في لبنان”، مضيفاً “كأطباء، من النادر حالياً أن نجد نساء يحملن في أول العشرينات من العمر، وكذلك الأمر بالنسبة للرجال. وهنا، من الضروري التوقف على المخاطر الصحية التي تواجه الأم والجنين كلما تأخر الحمل، مثل الإصابة بأمراض مزمنة، تقليل فرص الحمل الصحي، مضاعفات مختلفة مثل الولادة المبكرة وانخفاض وزن الجنين، ناهيك عن ضعف الخصوبة بالنسبة للرجال”.
“كوفيد-19” والخصوبة
لا شكّ، أنّ التأخر في التخطيط للحمل، ليس السبب الوحيد لهذه المشكلة؛ ففي السنوات الأخيرة، انتشر الكثير من المعلومات التي تحمّل فيروس “كوفيد-19” واللقاح المخصص له مسؤولية العقم أو حتّى الإجهاض. فهل هذا صحيح؟ يجيب د. عبد الرضا “ساهمت الجائحة في تردد الكثيرين عن الإنجاب أو اللجوء إلى العلاجات المساعدة. وصحيح أنّ لقاح “كوفيد-19″ أثار تساؤلات حول تأثيره على الخصوبة والحمل، ولكن أظهرت الدراسات التي أجرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أنّ لا علاقة للقاح بتراجع الخصوبة أو مشاكل الحمل”.
المنشطات الستيرويدية
لا يرتبط العقم بالمرأة حصراً، بل يتحمل كلا الجنسين مسؤولية متساوية في حدوثه. وشهدنا تحولاً إيجابياً في نظرة الرجال لمسألة العقم، حيث أصبحوا أكثر استعداداً للخضوع للفحوصات الطبية اللازمة، مثل فحص السائل المنوي، لتحديد أسباب أي مشاكل قد تواجههم. ويشرح د.عبد الرضا أنّ “ذلك يعود إلى زيادة الوعي بأهمية دور الرجل في عملية الإنجاب، وبالعوامل التي قد تؤثر على خصوبته، مثل التدخين، والإفراط في تناول الكحول والمخدرات، واستخدام المنشطات الستيرويدية. وهنا أتوقف لألقي الضوء على العادات الضارة التي يمكن أن تلحق أضراراً بالغة بالخصوبة، وقد تؤدي إلى عقم دائم في بعض الحالات، خصوصاً المنشطات الستيرويدية التي تستخدم على نطاق واسع في الأوساط الرياضية”.
وبينما يُعتبر الانتظار لمدة سنة لمحاولة الحمل بشكل طبيعي أمراً شائعاً قبل اللجوء إلى التدخل الطبي، يُفضل د. عبد الرضا أن تستشير المرأة في سن متقدمة، فوق سن 37، الطبيب مبكراً، أي بعد ستة أشهر من المحاولة، لضمان عدم تأخر العلاج وزيادة فرص الحمل. كما يمكن قبل اتخاذ قرار الزواج أو التخطيط للإنجاب، إجراء فحوصات طبية شاملة للشريكين، للمساعدة على اكتشاف أي نقص في الفيتامينات أو المعادن، أو وجود مشاكل صحية أخرى قد تؤثر على الخصوبة.
ثورة إنجابية
في ظل ارتفاع معدلات العقم، أصبحت الحاجة إلى توعية الشباب بأهمية التخطيط للحمل في سن مبكرة أكثر إلحاحاً، لذا بادر الكثير من الجامعات والمدارس، خصوصاً في الدول الغربية، إلى تنظيم برامج توعية بأهمية التخطيط للحمل في سن أصغر بدل الاعتماد على التقنيات المساعدة. ويلفت د. عبد الرضا الى أنّ “مجال الطب الإنجابي يشهد ثورة حقيقية بفضل التقدم في مجال الهندسة الوراثية. ومن المتوقع أن يساهم فحص الجينات في زيادة معدلات نجاح تقنيات المساعدة على الحمل بشكل كبير، حيث يمكن من خلاله تحديد الأجنة السليمة وراثياً وزرعها في الرحم، مما يقلل من خطر انتقال الأمراض الوراثية للأجيال المقبلة”.
تحديد جنس المولود طبيعياً
تنتشر حالياً ولا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوات تشير إلى طرق تقليدية مختلفة تساعد على تحديد جنس المولود، مثل تغيير النظام الغذائي أو استخدام أنواع معينة من الغسول، وتحديد موعد الجماع. فما رأي د. عبد الرضا؟
يجيب “هذه الطرق لا تدعمها الأدلة العلمية. ترتكز الطريقة الوحيدة المؤكدة علمياً على اللجوء إلى تقنيات المساعدة على الإنجاب، مثل أطفال الأنابيب، حيث يتم فحص الأجنة لتحديد جنسها قبل نقلها إلى رحم الأم.
نمط الحياة والخصوبة
تؤدي السمنة إلى تكيس المبايض واضطرابات الدورة الشهرية لدى النساء، مما يعيق الحمل. أما عند الرجال، فترتبط بانخفاض مستويات هرمون التستوستيرون وتدهور جودة الحيوانات المنوية.
لذلك، فإن اتباع نمط حياة صحي، يشمل التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة بانتظام والنوم الكافي، يعد عاملاً أساسياً لتعزيز الخصوبة.
جنى جبّور – “نداء الوطن”